بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
"حضري الشاي والبقسماط واستنيني في البلكونة أنا جااايه يا تيته"
كانت هذه هي عبارتي السنوية لجدتي في الهاتف قبل الإجازة الصيفية ..
جدتي الطيبة -رحمها الله- ذات الإبتسامة الساحرة ..
وأحلام الصيف اليانعة ..
صيف مصر منذ سنوات .. كان للزمان والمكان وقتها صوت وطعم ورائحة وملمس .. ودفء في القلب
شرفة جدتي في ظلام القاهرة المنير بألف مصباح
نسائم الليل اللطيفة .. وأصوات الشارع المؤنسة
طعم الشاي مع البقسماط الذي كنا نشتريه أنا وجدتي من المخبز القريب
حكايات جدتي وصمتها .. وأثوابها وجلستها
الحب الذي يملأ قلبي لذلك البيت الصغير الهادئ .. بيت جدتي
فطائر الجبن بالنعناع .. التي كلما شممت النعناع تذكرتها وتذكرت حلاوتها التي لم أذق مثلها أبدا .. إن لفترة الطفولة والمراهقة المبكرة حلمات تذوق خاصة ..
نعم نعم بالتأكيد لن ينسى أحدكم طعم شطيرة أو حلوى أو أكله كان يحبها في طفولته .. وبالتأكيد لم يذق مثلها بعدما تقدم به العمر مهما أكل وجرب أفخر أنواع الطعام
كنت أنا وجدتي نقضي ساعات في الشرفة .. نثرثر .. نضحك .. أو نصمت ونشاهد حركة الشارع
ثم فجأة أنحني وأقبل يديها في شوق وحب .. وأنا التي لم أكن أقبل يد أحد قبلها
يديها المجعدتين السمراوين كانتا أحلى وأدفأ يدين في العالم
ثم نحلم معا .. كانت جدتي تنتظر بشوق بلوغي المرحلة الجامعية حتى أنتقل للعيش معها ..
لقد كانت تعيش وحيدة بعد وفاة جدي وسفر أمي وخالي -وحيديها- بعد أن أسسا حياتهما الأسرية
كنت أسمعها بأوسع ابتسامة وهي تشرح لي كيف ستجهزني صباحا لكي أذهب للكلية .. ثم تعد لي أطايب الطعام وتنتظرني ..
كانت من أحلى أيام حياتي .. واكثرها إشراقا
.......
بعدها بأعوام مرضت جدتي .. ولم أعلم أن مرضها قاتل ..
كان صيفا كالكوابيس ..
جمعتنا أنا وجدتي وقريبة لنا شرفتنا يوما من أيام ذلك الصيف ..
كنت متكدرة .. لقد كانت دوما أسوأ وأسود لحظات حياتي هي ما قبل عودتنا للكويت
كانت عملية نزع قلبي الذي كان في حضن جدتي من جسدي الذي سينفى لبلد آخر
كم بكيت وتألمت .. والآن أعرف أن معاناتي لم تكن شيئا بجانب معاناة جدتي .. من الوحدة والبعد عن كل الأحباب
رحمك الله جدتي .. رحمك الله جدتي
لا أعرف لم أتذكر هذا الآن .. وقد مضت على وفاة جدتي أكثر من عشر سنوات ..
إنما هي الذكريات .. الماضي الذي لا نتذكر منه إلا ما يعذبنا
هذا الإمتياز -الذاكرة- الذي ميزنا الله به يأتي ومعه ثمنه
فلله الحمد والمنة
دعواتكم لجدتي ولموتى المسلمين .. ولنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه
اللهم رحمتك أرجو .. ورضاك وعفوك يا رب
التعليقات لديها ما يغني التدوينة أكثر .. أراكم هناك إن شاء الله